تابعت حوارات عمر الشريف على اليوتيوب، خاصة التى أجراها باللغة الإنجليزية والتى كان فيها أكثر تحرراً وجرأة وصداماً مع الأفكار التقليدية من الدين إلى الفن، مروراً برأيه فى الحب والمرأة ونجمات السينما وفن السينما نفسه، من خلال هذه الحوارات عرفت لماذا لم يتكرر عمر الشريف أو لماذا لم نشاهد على الشاشة العالمية إلا واحداً فقط صفته الممثل المصرى العالمى، إنه لم يكن مجرد مشخصاتى محترف يمتلك مهارة ويسيطر على أدواته التمثيلية بحرفية، فهناك من هو على مستواه وأحياناً أقدر منه تمثيلياً بين النجوم المصريين، ويكفى مقارنة بسيطة بين أداء أحمد زكى وأداء عمر الشريف لنتأكد من ذلك، وليست الوسامة فقط، فهناك مثله أحمد رمزى ورشدى أباظة من أبناء جيله، وليست إجادة اللغة الإنجليزية، فهناك عمرو واكد الذى يتقن اللغة واللكنة، والذى حاول وظهر فى أفلام أمريكية ولكنه ظهور بارد بلا بصمة ولا روح ولا توقع استمرار، إن كاريزما عمر الشريف وظهوره كنجم رأسه برأس كبار نجوم هوليوود تتمنى نجمات السينما العالمية أن يقفن أمامه فى مشهد، مثل صوفيا لورين وبربارا سترايسند، هذه الكاريزما وتلك النجومية هى نتاج عوامل كثيرة، منها طبعا ما ذكرناه سابقاً من قدرة تمثيلية وإتقان لغات ووسامة، ولكن عمر الشريف لم يتكرر، وأعتقد أنه لن يتكرر أن يقتحم نجم مصرى آخر استديوهات هوليوود بتلك القوة والثقة والاكتساح والتأثير، وأتذكر عندما أجرى الإعلامى طارق حبيب معه سبقاً تليفزيونياً وحواراً فى شوارع باريس، انبهرنا جميعاً بكم المعجبين والمعجبات الذين تحلقوا حول النجم يطلبون مجرد مصافحة أو توقيع أو صورة، هناك ظروف كثيرة صنعت تلك العالمية ومنحته تلك الفرصة التى أعتقد أنها لن تتكرر لممثل آخر، أولاً عمر الشريف هو ابن وإفراز ثقافة الكوزموبوليتان، سبيكة انصهرت فيها ديانته المسيحية الكاثوليكية مع ثقافته الإسلامية من خلال أصدقائه، ثم من خلال اعتناقها ديناً بعد زواجه من فاتن حمامة، تمازجت فيها ثقافات الإسكندرية ومدرسة فيكتوريا كوليدج، التى فيها العربى القادم من أسرة مالكة وفيها اليونانى والإيطالى واليهودى والفرنسى. عمر الشريف هو نتاج وعجينة تلك الثقافة التى لن تتكرر الآن ومازلنا نعيش نقيضها حتى هذه اللحظة. فى حواراته مع التليفزيونات الأجنبية تحس بمسحة فلسفية جسورة لا تخشى طرح أكثر الأسئلة صداماً على كافة المستويات، بداية من علاقة الشرقى الملتبسة والشكلية مع الله حتى علاقة الرجل الشرقى بالمرأة ونظرته الدونية لها، تحس أنك أمام عقل قادر على اختيار النص والفيلم بعين المثقف لا بعين النحتاية أو السبوبة أو الوظيفة، الصفات الشكلية لعمر الشريف لعبت دوراً مهماً فى تحقيق تلك العالمية، ففضلاً عن الوسامة والرشاقة فقد كان فى ملامحه إغراء لأى مخرج عالمى أن يختاره للعب دور رئيسى كشخصية غير أمريكية فى فيلم أمريكى مثل جيفارا أو زيفاجو... إلخ، وهذه كانت سلعة نادرة فى تلك الأيام، فهو وسيم حقاً ولكنها وسامة متميزة ومتفردة، ليست بالعين الزرقاء أو الشعر الأصفر أو البياض الشاهق، تمتع عمر الشريف بمركز ثقل مغناطيسى ساحر فى ملامحه؛ العينين، امتلك عمر الشريف عينين هما نافذتان للنجومية لا تقاومان، لابد للكاميرا أن تعشقهما ولابد للشاشة أن تنحنى لهما، فيهما الشجن والشقاوة والحنان والذكاء والاحتواء، والممثل الذى يمثل بعينيه هو درة تاج التمثيل السينمائى، فالصوت العالى الجهورى يحتاجه المسرح المحروم من زووم الكاميرا، وصوت عمر الشريف لم يحمل ميزة أو تفرداً مثل محمود ياسين مثلاً، لكن عينى عمر الشريف كانتا البوابة والباسبور لقلوب الجمهور خاصة من الجنس الناعم. نحن لا نبكى على عمر الشريف كشخص، ولكننا نبكى على زمن أفرز وأنتج هذا الدونجوان الوسيم المتألق ثم أغلق أبوابه بالشمع الأحمر، وأظنه لن يفتحها ثانية.